أول ما نلحظه في الفيلم الطويل Black Rabbit, White Rabbit (إنتاج مشترك بين طاجاكستان، إيران، روسيا-2025)، هو اقتباس للكاتب أنطون تشيخوف عن آلية القتل، مثل إيماءة أولى إلى طبيعة الفيلم، ثم ينتهي المشهد الأول بطلقة نارية مفاجئة!
عند هذه البؤرة، يتحرك المخرج الإيراني شهرام موكري في فيلمه الروائي الطويل الرابع، مع الكاتبة نسيم أحمد بور، بعد تعاونهما الأخير في فيلم Careless Crime عام 2020، في ذات الفضاء التجريبي الغرائبي، ويضع مشهد الطلقة في منح اللاطمأنينة، وفي ذات الوقت لا يتبع الأسلوب التشويقي، ربما التوصيف الأقرب هو إبقاء الحسّ في حالة يقظة.
الأحياء
أول علامات الانتباه، هو تواجد "سارة" وتقوم بدورها الممثلة الإيرانية هاستي محمدي، في فضاء منزلي واسع، تتحرك فيه بخفة لافتة، بينما يلف جسدها المشوه من عمق الجروح والكدمات بالضمادات آثر حادث سيارة، وهذا الحادث كان جزء من مؤامرة.
حركة سارة هادئة، حتى وهي تمر بجانب سيارتها المهمشة والمحطمة في مرآب المنزل، كما تبحث أثناء تجوالها في الحديقة عن حدود تخيلية لوضع المسافة بينها و بين قاطني المنزل، و من خلال المشي، الالتفاف، والصعود والنزول داخل المكان، الإصابات العميقة لا تعيق الفعل، بل على العكس، إنها تتمشى طويلاً في كافة أرجاء المنزل الفسيح ولا تهدأ.
اقرأ أيضاً
اقرأ أيضاً
الفيلم السعودي "المجهولة".. بين طموح النوع و تقريرية التنفيذ
بمقدمة واعدة ومتماسكة، يدخل فيلم "المجهولة" للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مباشرة إلى حقل السرد البوليسي بمعلومة عن جثة فتاة مجهولة في منطقة برية مقفرة.
يتضح لاحقاً أن سارة ممثلة داخل فيلم يجري تصويره، و يتحول هذا التوتر إلى أمر مقصود، إذ يكشف الالتباس المحير خلال الحوار القصير بينها وبين المخرجة: "كيف أصبح ملفوفة بهذا الكم من الضمادات من رأسي حتى أخمص قدمي، وأتحرك بانسيابية في كل أرجاء المنزل؟ ماذا سيقول المشاهدون؟ ترد المخرجة: هذا هو المطلوب! إنه مقصود" يتبين لنا هذا النهج على مستويات فصول الفيلم وأن الأداء يُستثمر لإبقاء المشاهد في حالة تعليق، جسد سارة الجريح هو مساحة يشتغل عليها الشك، و هذا أيضاً نهج بقية العناصر (زعزعة العلاقة بين الصورة ومرجعها).
سنعود بعد قليل
يعتمد شهرام في نوع العمل على لقطة واحدة ممتدة في سرد متشابك و غير خطي، مثل فيلمه السابق Fish And Cat رغم أن أعماله تمسك بخيط حكائي أو تاريخي واضح ومحدد، بينما في تجربته الأخيرة ذهب باتجاه أكثر تجريداً، يتشكل كصلصال يمكن طيه، تمديده، دورانه، تحجيمه، ثم تركه جانباً والعمل على صلصال ملون آخر، وهكذا يستمر الأسلوب بنداء غير معلن: "سنعود بعد قليل "، إذ تلتقط الكاميرا بنفس واحد، أماكن متباعدة داخل زمن يبدو واحداً، لكنه يحمل في عمقه طبقات متراكبة.
يتحول الزمن إلى مادة قابلة للتدوير، زمن عائم تعبره الشخصيات، وتترك فيه تموجات تعود للظهور في لحظات أخرى، يسعى هذا الاشتغال إلى زعزعة الإحساس التقليدي بالتتابع، بحيث يصبح المشهد الواحد حاوياً لأكثر من زمن، وأكثر من مستوى إدراكي.
إعادة إحياء اللقطة وثمنها الباهظ
من جانب آخر، في السرد المتشابك، تظهر شخصية "بابك" الذي يجسده الممثل الإيراني بابك كريمي، كخبير في الأسلحة السينمائية، و يشرف على الاكسسوارات المستخدمة في العمل الجاري تصويره كإعادة إنتاج لفيلم إيراني كلاسيكي قديم في منطقة طاجيكستان. يمثل هذا العمل لدى بابك إنتاجه الأربعين. الرقم يحمل ثقل تراكم طويل، وتجربة مصقولة مع السلاح في مشاهد الأفلام. في حديثه، تظهر على بابك علامات الشرود و إلحاح، الذعر، و الإصرارهعلى لقاء المخرج أكثر من مرة للتعبير عن قلقه من استخدام سلاح حقيقي يؤدي إلى كارثة، مثلما حدث قبل ثلاث سنوات مع الممثل الأمريكي الشهير "أليك بالدوين" الذي كان أطلق سلاحا أثناء التصوير، وكان السلاح محملا بذخيرة حقيقية فأصاب مديرة التصوير إصابة قاتلة.
هوس بابك الذي أعطى الفيلم طابعاً فكاهياً، بالإضافة إلى إنهاكه الشديد، أديا إلى هذيان لحظي في مشهد يعد من أجمل مشاهد العمل وأكثرها رمزية وذلك في حديثه مع نسخة منه باللغة الإيطالية!
الثرثرة مع القرين تفتح صدعاً زمنياً داخل الشخصية، و الحوار الذي يتنقل بين اللغتين الفارسية والإيطالية لحكي قصة السلاح، قبل أن تتبادل الشخصيتان اللغة في لحظة الأخيرة، وكأن السينما تستدعي ماضيها لتحسم الموقف،.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من الشرق للأخبار
