ملخص عصر الذكاء الاصطناعي ليس إلا في بدايته، سنرى الكثير، بأكثر مما نحلم به. ويجب ألا نتعجل الأحكام والنتائج. فالـ"تشات جي بي تي" ليس الآخر المخيف، بل هو "نحن" المكملة"... والأسئلة مشروعة، لكن الأحرى بنا أن نسأل بطريقة "ذكية" ونحن نبحث عن كمالنا كبشر. هذا الحلم القديم، المتجدد.
بدأت باستخدام "تشات جي بي تي" منذ وهلته الأولى، كان بالنسبة إليّ مبهراً وقلت مع نفسي إنه سيغير كثيراً، وما زلت. وترافق مع ذلك إيماني الذي لم يتزحزح بأن أي تطور تقني في التاريخ البشري، لا يخصم من رصيد الإنسانية، بل على العكس يكون خطوة نحو تقدم واكتشاف جديدين. فحدث ذلك مع الثورة الصناعية التي جاءت بالآلة في أوروبا وغيرت مفاهيم العمل والإنتاج بما في ذلك مفهوم الترفيه وأنتجت سياق الحياة العصرية الحديثة التي نعيشها اليوم.
LIVE An error occurred. Please try again later
Tap to unmute Learn more فكرة الحداثة برمتها ولدت من ذلك السياق، وقبلها بقرون طويلة جداً كان اكتشاف الإنسان للزراعة، فعرف الاستقرار. جاء ذلك الحدث التاريخي البعيد، ليعني كثيراً، وأن بمقدور الإنسان دائماً أن يعيد اكتشاف ما حوله ويطوعه لمصلحته. وهكذا يفعل وسيفعل الذكاء الاصطناعي. حتى لو كان ثمة من يشكك أو يخاف من الخطوة التالية، أولئك الذين يرفعون شعارات مثل اختفاء وظائف معينة وتغير مفاهيم العمل... والإنسان أمام خطر الآلة الذكية وهل ينقرض البشر. لا شيء من ذلك سيحدث بتقديري. فنحن أمام ثورة فعلية تحت التشكل، وسيكون لها أن تسهم في الأفضل بالنسبة إلى المسار البشري.
الصراع مع الآلة إذا كان صراع الإنسان والطبيعة القديم لم يحسم إلى اليوم، فبدا الإنسان مفكراً في ما حوله من أشياء وطبائع ومتغيرات، فإن صراعه مع الآلة وهي منتج من صنيعه لا يزال في بدايته، لن يتوقف عند حد أو نقطة بعينها، لنقول إنها نهاية التاريخ. فليست ثمة نهاية له، هو مندفع إلى الأمام دائماً. أبداً البشرية أمام اختبار ومعطى جديد في كل لحظة متجددة قبل مولدها.
أتذكر في طفولتي أن أبي، رحمه الله، كان يستخدم آلة حاسبة في محله بالسوق، وكانت مثيرة لانتباهي، آخذها على حين غفلة لأجري عليها عمليات سريعة، مستغرباً كيف تعمل هذه المدهشة؟ ومرة قمت بفتحها فلم أحصل على مارد أو جن بداخلها يقوم بعمل الحسابات. في الوقت ذاته كان تجار آخرون في السوق يرفضونها بحجة أنها غير أمينة وقد تخطئ. ولم يكونوا محقين قطعاً، فلم تكن لتخطئ أبداً وكان ذلك اليقين عندي، إلا إذا انطفأت شاشتها بعد أن تنفد بطاريتها ويجب إبدالها.
لاحقاً كان هناك جيل أحدث يعمل بضوء الشمس. أعجوبة أخرى. تذكرك بحكايات غابرييل غارسيا ماركيز في مقدمة روايته الخالدة "مئة عام من العزلة"، إذ يأتي الغجر بسحرهم الغريب الذي يبدو كأعاجيب ويمكن لبعضهم أن ينخدع به، حتى الثلج يصبح أعجوبة في بلاد لا تعرفه. هكذا هي صيرورة التقدم، وهذا هو باختصار ما يمكن أن يقال في مقدمة كلام كثير يكتب عن "تشات جي بي تي" وثورة الذكاء الاصطناعي.
استدعاء سياقات سابقة لفهم نسق الذكاء الاصطناعي والتخوف منه أو التعاطف معه، أو الإيمان المطلق به، لا بد من استدعاء مثل هذه السياقات السابقة، كيف كان بعضهم قد تخوف من المطبعة مثلاً لحظة ظهورها الأول؟ وكيف رآها بعضهم الآخر رجساً من عمل الشيطان! إلى بزوغ فجر الإنترنت وكيف أن هناك من قال إنها ستخرب العالم وأتذكر كمّ الندوات التي عقدت وهي تحذر في المشرق، من "الغزو" المقبل، إذ إن نظريات المؤامرات قامت بدورها هنا. لكن لكي نكون واقعيين فإن أي تغيير أو جديد لا بد من أن يبدو مخيفاً في البدء، ثم يحدث بعدها التأقلم والتفاعل والانتباه القوي الذي يجعلنا نفهم وندرك أن ذلك الشيء كان لا بد من أن يحدث.
ومع الوهلة الأولى لظهور النسخ الأكثر حداثة من الذكاء الاصطناعي مع حواف نهاية جائحة كورونا، كان تململ يحصل وأحاديث كثيرة تحبك وسرديات تخلط بين الحقائق والمتخيلات وتتحدث عن الواقع بما يفوق الخيال، والبطل هو ذلك المارد المخيف الآتي الذي سيدمرنا! وهي عادة إنسانية أن تكثر الأسئلة قبل أن يكتمل المشهد، وهذا ضروري لأنه يجعل التجربة في حد ذاتها تختمر وتتعمق ضمن عالم سمته التواصل السريع، وباتت فيه المعرفة لا محدودة وهائلة، فيؤدي ذلك إلى بناء تفاعل قوي وأفكار جديدة ويختبر قدرتنا كبشر على أن نمضي في الرحلة، وهذا ما يحدث لأن تلك هي الصيرورة الأكيدة لدورة الزمن.
واقعياً فإن عالم الذكاء الاصطناعي أو الذكاء التوليدي، أو الآلات الخارقة التي تفوق عمل العقل البشري في الإجراءات المحاسبية وتوليد البيانات والقراءة الذهنية وغيرها من وظائف معقدة بعضها إبداعي، كان ذلك العصر قد بدأ فعلياً قبل هذه المرحلة الأخيرة، وإلا كيف نفهم كيف تعمل الآلة الحاسبة التي أشرنا إليها كصورة مبدئية، لآلة ستتعقد لاحقاً، لنصل اليوم إلى ما فيه الإنسان مما يفوق التصور والواقع الماثل للعيان. فالمشهد إذاً ولد باكراً، وحتى لو لم يكُن حاضراً في أرضية الواقع فقد كان جلياً في الأدب والسينما، وفي المتخيلات التي صنعها البشر وهم يحلمون بعوالم بديلة يكون فيها للحياة أن تنزح إلى مسارات جديدة غير مرئية أو مكتشفة أو معلومة من قبل.
ومعلوم أن الخيال يسبق المعرفة وقد يكون أقوى منها، كما يطرحه أينشتاين، وهنا سنقف مع ثورة الفيزياء الجديدة التي بقدر ما انفتحت على الفضاء وتاريخ الكون ككل منذ القدم، كان لها انعكاسها أيضاً على الذهن البنائي الذي صنع الآلات وغيّر مفاهيم العقل والمعرفة لدى الإنسان الحديث. هذه العوالم يجب أن تؤخذ متكاملة، فتقرأ في إطار كلي وغير منفصل لأن دوائر المعرفة كلية وشاملة وتتشابك بصورة غير محسوسة.
لحظة التحول كانت أواخر عام 2022 بداية ظهور الشبح الأول لـ"تشات جي بي تي" ومن ثم اندفع الاهتمام به، في حين بدأت كثير برامج أخرى ذكية عدة تظهر من بينها التطبيق الصيني "ديب سيك" وتطبيق إيلون ماسك "غروك" مع ظهور مئات البرامج والمواقع التي تستغل فكرة التوليد الاصطناعي لإنتاج النصوص والترجمات والصور والفيديوهات والجداول المحاسبية... كل شيء مما يمكن تصوره ولا يمكن. وكان.....
لقراءة المقال بالكامل، يرجى الضغط على زر "إقرأ على الموقع الرسمي" أدناه
هذا المحتوى مقدم من اندبندنت عربية
