توصلت مصالح النيابة العامة على مستوى الدوائر الاستئنافية بكل من الدار البيضاء والرباط ومراكش بدفعة جديدة من الشكايات والإحالات المرتبطة بملفات يشتبه في تورط عشرات المنتخبين فيها، على خلفية شبهات تبديد واختلاس أموال عمومية، خصوصا في مجال الصفقات العمومية وتدبير المرافق المفوضة. وتشير المعطيات المتداولة إلى أن من بين المعنيين بهذه الملفات رؤساء جماعات ونوابا سابقين، بعدما أعادت السلطات القضائية فتح قضايا ظلت لفترة خارج دائرة المتابعة، رغم ما سجلته تقارير رقابية سابقة من اختلالات جسيمة.
وتفيد مصادر مطلعة أن تحريك هذه الملفات لم يأت من فراغ، بل استند إلى خلاصات تقارير سلبية أعدها قضاة المجالس الجهوية للحسابات، إلى جانب تقارير لجان التفتيش المركزية التابعة لوزارة الداخلية. هذه الوثائق الرقابية رصدت خروقات متعددة في تدبير المال العام، ولا سيما في ما يتعلق بعقود التدبير المفوض لخدمات النظافة داخل عدد من الجماعات الترابية، حيث سجلت اختلالات شملت مراحل الإعداد، والحكامة، وتنفيذ بنود العقود، فضلا عن ضعف آليات التتبع والمراقبة.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن التقارير الرقابية توقفت عند غياب احترام المساطر القانونية والتنظيمية المؤطرة للصفقات العمومية، سواء خلال مرحلة الأعمال التحضيرية أو أثناء تنفيذ الالتزامات التعاقدية. كما سجلت ملاحظات حول عدم ضبط كلفة الخدمات، وضعف مؤشرات الجودة، وتقييد غير مبرر لبعض الخدمات، ما انعكس سلبا على النجاعة والشفافية في تدبير هذا المرفق الحيوي المرتبط بالحياة اليومية للمواطنين.
وتؤكد المعطيات أن عددا من رؤساء الجماعات ونوابهم لم يتفاعلوا بالجدية المطلوبة مع الملاحظات المضمنة في التقارير الرقابية، إذ لم يتم اتخاذ الإجراءات الضرورية لتصحيح الاختلالات أو تدارك أوجه القصور المسجلة. ومن أبرز ما تم رصده في هذا السياق، غياب إعداد المخطط الجماعي أو المشترك لتدبير النفايات المنزلية والنفايات المماثلة، رغم أن التشريع الجاري به العمل يفرض على الجماعات الترابية الالتزام بإعداد هذه المخططات وفق ضوابط دقيقة.
وينص الإطار القانوني المنظم لتدبير النفايات على ضرورة اعتماد مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار توجيهات المخططات الإقليمية، مع تحديد عمليات الجمع الأولي والنقل والإيداع بالمطارح، إضافة إلى طرق المعالجة والتثمين، وإن اقتضى الحال الفرز. غير أن عدم احترام هذه الالتزامات حال دون تفعيل عدد من المقتضيات القانونية، وفتح الباب أمام تدبير ارتجالي يفتقر إلى التخطيط والاستدامة.
وتشير المصادر إلى أن تجاهل هذه الالتزامات القانونية والتنظيمية لم يكن مجرد تقصير إداري، بل ترتبت عنه آثار مالية وتنظيمية خطيرة، عززت الشبهات حول سوء التدبير وإهدار المال العام. وهو ما دفع النيابة العامة إلى التعاطي بجدية مع الإحالات الجديدة، في إطار تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وإعادة الاعتبار لدور الرقابة في حماية المال العام.
ويأتي هذا التطور في سياق يتسم بتشديد المتابعة القضائية لملفات الفساد المالي، وتزايد الاعتماد على تقارير هيئات الرقابة كمرجع أساسي في تحريك الدعوى العمومية. كما يعكس توجها رسميا نحو القطع مع الإفلات من العقاب، خاصة في ما يتعلق بتدبير الشأن المحلي والصفقات العمومية، التي ظلت لسنوات تشكل بؤرة اختلالات متكررة.
ويرى متابعون أن إعادة فتح هذه الملفات تحمل رسائل واضحة للمنتخبين والمسؤولين المحليين، مفادها أن التقارير الرقابية ليست مجرد وثائق إدارية، بل آليات محاسبة قد تترتب عنها مسؤوليات قانونية وقضائية. كما تشكل هذه الخطوة اختبارا حقيقيا لمدى قدرة المؤسسات على فرض احترام القانون، وضمان حسن تدبير الموارد العمومية بما يخدم المصلحة العامة ويعزز ثقة المواطنين في العمل المؤسساتي.
هذا المحتوى مقدم من أشطاري 24
